ما هو التأمل؟ رحلة نحو الداخل
- المدربة: وعد سلطان

- 6 مايو
- 2 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 27 مايو

هل جلست يومًا في هدوء، وسمعت صوت أنفاسك بوضوح؟ ليس الصوت الخارجي، بل ذلك الإيقاع الداخلي الهادئ الذي ينبض بالحياة؟ ,كم مرة توقفت فعلاً، وسط كل ما يدور من حولك، ونظرت إلى نفسك دون حكم، دون قلق، دون توقّع؟
ربما لم نفعل ذلك كثيرًا، وربما لا نعرف كيف. فنحن في عالمٍ يُعلّمنا كيف نُلاحق، كيف نُنتج، كيف نفكّر آلاف الأفكار في الدقيقة،
لكنه نادرًا ما يعلّمنا كيف نكون هنا.
ولعل المدهش، أن التأمل ليس اكتشافًا جديدًا، بل هو أقدم مما نتخيل. فقد وُجدت نقوش ورسومات في الهند تُشير إلى ممارسات تأمل تعود إلى أكثر من 5000 سنة. كان الرهبان في الشرق يجلسون في صمت طويل، يبحثون عن النقاء الداخلي، عن الله، عن الحقيقة. ثم انتقلت هذه الممارسات إلى الصين، التبت، واليابان، وتطورت لتكون جزءًا من البوذية، والطاوية، وحتى بعض طقوس التصوّف في العالم الإسلامي. التأمل منذ آلاف السنين، كان وما زال، وسيلة الإنسان للاقتراب من نفسه، وللخروج من الصخب، دون أن يترك العالم خلفه.
التأمل ليس حالة خيالية ولا فكرة معقّدة كما يُصوّر أحيانًا. هو ببساطة العودة إلى اللحظة. إلى تلك المساحة بين كل فكرة وأخرى، حيث السكون، حيث أنت. لا يحتاج التأمل إلى أن تكون "روحانيًا"، ولا أن تمتلك وقتًا طويلاً، ولا حتى أن تجلس في مكانٍ هادئ تمامًا. التأمل هو مهارة، وعادة، وممارسة. والأهم من ذلك... هو لقاء صادق بينك وبين ذاتك.
عندما نتأمل، نحن لا نحاول أن نهرب من أفكارنا أو مشاعرنا، بل نسمح لها بالظهور دون أن نُغرق أنفسنا فيها. وكأننا نجلس بجانب نهر، نرى المياه تمر، دون أن نقفز إليها. هذه المسافة البسيطة بين "أنا أفكر" و"أنا ألاحظ أنني أفكر" هي التي تصنع الفرق.
البعض قد يسأل: وهل لذلك تأثير حقيقي؟ نعم، وبقوة. فقد أثبتت دراسات علم الأعصاب أن التأمل يُحدث تغييرات واضحة في الدماغ، تحديدًا في المناطق المرتبطة بالانتباه، وتنظيم المشاعر، والمرونة الذهنية. التأمل المنتظم يُخفف القلق، يُحسّن التركيز، ويُساعد على النوم. لكنه أيضًا، وعلى مستوى أعمق، يُعيدك إلى نفسك.
وقد تظن أن الأمر معقّد، أو أنك لا تملك الوقت أو الصبر. لكن الحقيقة أن كل ما تحتاجه هو بداية... بسيطة وصادقة.
بدأ بممارسة هذا التمرين البسيط ، فهو لا يحتاج سوى بضع دقائق:
اجلس في مكان مريح، لا يشترط أن يكون هادئًا تمامًا، المهم أن تشعر فيه ببعض الاستقرار. أغمض عينيك بلطف، ووجّه انتباهك إلى تنفّسك. خذ شهيقًا من أنفك ببطء حتى العد إلى أربعة، ثم احبس النفس للحظة قصيرة، بعدها أخرج الزفير من فمك ببطء حتى العد إلى ستة. استمر على هذا النمط لدقائق، بهدوء وثبات.
خلال التنفّس، ستلاحظ أفكارًا تظهر. لا تحاول دفعها أو مقاومتها. فقط لاحظها وكأنها سحابة تمرّ، وارجع برفق إلى تنفّسك. كل مرة تُشتّت فيها، فقط عد. هذا هو جوهر التأمل: أن تعود، في كل مرة، إلى اللحظة التي بين يديك.
قد تشعر ببعض القلق في البداية، أو الملل، أو حتى رغبة في إنهاء اللحظة. لا تُقاومها، فقط لاحظها، كما لو كنت تراقب الغيوم تمرّ في سماءٍ ساكنة.
مع كل نفس، تشعر بأنك تعود إلى هنا... إلى جسدك، إلى اللحظة. ومع الوقت، تبدأ هذه اللحظات القليلة في تغيير شكل يومك، وطريقتك في التعامل مع الحياة. يصبح التأمل ملاذًا، لا هروبًا. مساحة تستعيد فيها قوتك، صفاءك، وتوازنك الداخلي.
لن تحتاج إلى أكثر من خمس دقائق في البداية. لكنك ستندهش من التأثير العميق لتلك الدقائق القليلة، وكأنك غرست بذرة سلام بداخلك، تنمو مع كل يوم جديد.
وفي النهاية، التأمل ليس شيئًا تضيفه إلى حياتك... بل هو الطريقة التي تتذكّر بها الحياة نفسها.








تعليقات