الخرافات والتناقضات: بين الجهل والانفتاح الواعي
- المدربة: وعد سلطان

- 27 مايو
- 2 دقيقة قراءة

حين يُطرح الحديث عن "العين الثالثة"، يلاحظ المرء حالة من التناقض في مواقف الناس تجاهها. فهناك من يندفع نحوها بإعجاب مبالغ فيه، يراها بوابة للقدرات الخارقة والرؤية العجيبة، فيتوقع من فتحها أن يرى الأرواح أو يعرف الغيب. في المقابل، هناك من يسخر من الفكرة تمامًا، وينكر وجود أي بُعد غير مادي في الإنسان، معتبرًا كل ما لا يُقاس بالأدوات العلمية خرافة أو وهمًا.
والمفارقة أن كلا الطرفين غالبًا ما يقع في تناقض داخلي دون أن يدرك. فكم من شخص يسخر من العين الثالثة، لكنه يتحدث عن "شعور داخلي" أو "حدس قوي" قاده لاتخاذ قرار مصيري؟ وكم من شخص يرفض فكرة البصيرة، لكنه يستعين بمن يسميهم "أصحاب الطاقة الإيجابية" لشعوره بالارتياح معهم دون تفسير مادي واضح؟
إن العين الثالثة، كما أفهمها، لا تتعلّق بالخوارق، بل بالبصيرة. ليست أداة لرؤية العجائب، بل نافذة لفهم أعمق للذات والواقع. هي رمز للتجاوز الواعي، لا للانفصال عن المنطق أو الغرق في الغيبيات.
الخلط الشائع بين الرؤية الباطنية والخرافة مردّه غالبًا إلى غياب الفهم المتوازن. فالبعض يريد نتائج فورية وسريعة، ويظن أن الأمر متعلق بطقس أو تمرين بسيط، متناسيًا أن تنمية البصيرة تحتاج إلى تربية داخلية، وتهذيب للعقل والنفس معًا. والآخر يرفض كل ما لا يُرى، ويغفل عن أن كثيرًا من الحقائق العميقة — كالوعي، والنية، والحب — لا يمكن إدراكها بالحواس، ومع ذلك تُغيّر حياة الإنسان بالكامل.
وفي الواقع، إن التجارب التي تُوصف بأنها "تجاوزية" أو "داخلية عميقة" لا تحدث في حالات التوتر أو الانشغال المفرط، بل تظهر عندما يصل الإنسان إلى حالة ذهنية هادئة ومستقرة، يتراجع فيها الضجيج الداخلي، ويصبح العقل صافياً، كأنما يتهيّأ لاستقبال مستويات مختلفة من الفهم. عندها فقط تبدأ الحواس الدقيقة بالاستيقاظ، وتنفتح منافذ الإدراك الأوسع. تلك اللحظات لا تُصنع بالقوة، بل تُستَقبل حين يكون المرء مهيّئًا من الداخل: خاليًا من التوقعات، حاضرًا بذهنه، ومستعدًا للاستبصار.
من هنا، فإن الانفتاح لا يعني التسليم الأعمى، بل الاستعداد للتأمل، للتجربة، وللتعامل بصدق مع ما يشعر به الإنسان في أعماقه. ليس المطلوب أن نؤمن بكل ما يُقال، بل أن نبحث، ونتأمل، ونتّسع لفكرة أن في داخلنا إمكانيات أبعد من حواسنا المعتادة.
وهنا تكمن القيمة الحقيقية للعين الثالثة: أن نعيد ترتيب علاقتنا مع الحياة، ومع أنفسنا، لا أن نبحث عن سحر أو معجزات، بل عن وعي أصفى، وإدراك أهدأ، ونور داخلي يقودنا بخطى ثابتة وسط ضجيج العالم.








تعليقات